كانتِ العربُ تقول((كل بؤس ونعيم زائل))وتقصد بذلك أن البؤس والنعيم من مظاهر الحياةِ الدنيا فلا يعيش الإنسان في بؤس دائم أو نعيم دائم وإنما هي عوارض تتغير بتغير أحول الدنيا وكما يقول المثل((يوم لك ويوم عليك))والمقصود بهذا المثل أنها تأتي أيام يكون للإنسان فيها العزُ والمجد والملك وتأتي أيام يفقد فيها الإنسان ملكه ويعيش فقيراً أسيراً ذليلاً
فيجب على الواحد منا أن يستغل بقدرِ ما يمكنه اليوم الذي هو له قبل ان يأتي اليوم الذي هو عليه
نرجع بالزمن الف سنه في أواخر حكم ملوكِ الطوائف للأندلس
كان ذلك الزمان زمن الحروب الأهليه بين مسلمي الأندلس فكل
ملك من أُولئك الملوك كان يريد السلطه بأي طريقة كانت فكانو يستعينون بأعدائهم الأزليين النصارى في قتال بعضهم البعض فاستغل النصارى تلك الفتره وبدؤوا ينهونَ ملوك الطوائف الواحد بعد الآخر ويستولون على المدن والحصون
كان أحد ملوك الطوائف ملك فاحش الثراء يحكم إشبيليه وقرطبه واسمه المعتمد بن عباد كان كثير اللهو محباً للشعر والأدب وكثير البذخ
يحكى أن زوجة الملك المعتمد رأت نسوه من بادية إشبيليه يبعن اللبن ويمشين في الطين فاشتهت الأخيره اللعب بالطين
فستأذنت الملك وكان الملوك تلك الفتره يمشون بعادات الملوك التي نسميها اليوم البروتكول فكان من المشين في نظرهم أن تلعب ملكه في الطين ولكن الملك كان يحب زوجته كثيراًو لايرفض لها طلباً لذلك أمر بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد ومزجها ببعضها لتصبح طيناً في قصره وجعل لها قِرباً وحبالاً
فخاضت الملكه وجواريها في ذلك الطين الذي قدرت قيمته بما يقارب عشرين ألف دينارٍ ذهبيه وهو مبلغ كبير جداً وسمي ذلك اليوم بيوم الطين صحيح أن المعتمد شخصيه متناقظه فله بعض الصفات والمواقف الحسنه ولكن سيئاته غلبت حين ترك طليطله للقشتالين في معاهده يندى لها الجبين بدل أن ينصر أهل ملته وإن خالفوه؛ يقوم بمحالفة الغرباء تاركاً الأخذ بهذا المثل((أنا وأخي ضد إبن العم وأنا وإبن العم ضد الغريب))
ولم يكن إبن عباد وحده المتخاذل بل كل ملوك الطوائف تخاذلو حتى ملك طليطله نفسه والمتوكل هو الوحيد الذي كان معارضاً لهذا الأمر ولكن إقتصرت معارضته بالكلام فقط حيث أنه لم يقدم أي دعم لطليطله لا بالمال ولا بالجنود وبعد الحصار سلم ملك طليطله المتخاذل المدينه للقشتالين
ليكون نذيراً بحلول الكارثه على الأندلس ومسلميها
يا أهل أندلس حثوا مطيكم***فما المقام بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى*ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط
من جاورالشر لم يأمن بوائقه**كيف الحياة مع الحيات في سفط
وقد كان هذا الشعر بليغاً جداً في معانيه وحِكمه حيث أنه يأمر الأندلسيون بالبحث عن أرض أُخرى غير الأندلس بعد سقوط طليطله ويستشهد بالثوب أن الثوب مع كثرت الإستخدام يبلى وتبدأ خيوطه تنحل من أطرافه فتنفصل قطع الثوب ولكنه يستغرب من ثوب الجزيره التي انحلت خيوطها من المنتصف
ويقصد بالبيت الأخير أن ملوك النصارى صارو قريبين جداً من المسلمين مجاورين لهم فحذرهم من غدر النصارى واصفاً إياهم بالحيات
وبعد تلك المأساة طمع ألفونسو بحلفائه من ملوك الطوائف فأرسل إليهم رسائل يستهزؤ بهم أشد الإستهزاء وأطلق ألفونسو على نفسه ذي الملتين أنه سيحكم النصارى والمسلمين ولكن المفاجئه كانت في موقف إبن عباد حيث أنه لم يرضخ لألفونسو هذه المره ورد على رسائل ألفونسو المهينه برسائل محفوظه إلى يومنا هذا ولم يرضخ لمطالبه المهينه وقرر رغم معارضة أغلب وزرائه بالإستعانه بالمرابطين لقتال القشتالين فقال كلمته المشهوره((رعي الجمال خير من رعي الخنازير))وبالفعل قدمت قوات المرابطين من المغرب الإسلامي إلى الأندلس بقيادة القائد الفذ يوسف ابن تاشفين ليبدأ هو وابن عباد وبعض ملوك الطوائف من وضع الخطط وتجهيز الجنود لقتال القشتالين وبفضل الله استطاع المسلمون إلحاق الهزيمه بقوات ألفونسو بمعركة الزلاقه الخالده وهرب ألفونسو مع عدد قليل جداً من الجنود الباقين إلى مدينة طليطله
بعد الإنتصار الكبير قرر يوسف ابن تاشفين الرجوع إلى المغرب وترك حاميه قدر عدد جنودها ب٣٠٠٠آلاف مقاتل من المرابطين وبعد فتره بسيطه تلقى يوسف ابن تاشفين طلبات كثيره من أهل الأندلس وبعض العلماء بالرجوع إلى الأندلس والسيطره عليها وجاؤوه بالتشريع من بعض علماء المسلمين يجيز له قتال ملوك الطوائف وبالفعل شرع بذلك وبدأ بتجهيز الجنود ولكن من وجهت نظري أن قتال ملوك الطوائف في ذلك الوقت كان قراراً خاطئ صحيح أنه كان من الواجب إنهاء حكم ملوك الطوائف لكن كان الأولى إنهاء الوجود القشتالي من طليطله فلو كان جمع قواته وطلب الدعم من ملوك الطوائف لكانو وقفو معه وأولهم ابن عباد الذي كان يطمح بعد إنتهاء معركة الزلاقه بالتوجه إلى طليطله فكما يقول غوته((من الخطأ أن تكون الأمور الأكثر أهميه تحت رحمة الأمور الأقل أهميه))تحركت قوات المرابطين نحو غرناطه وحاصروها فأرسل ابن عباد إستفسار من ابن تاشفين وعندما لم يأتي الرد علم ابن عباد بما في نفس يوسف
وأرسل إلى المتوكل((والله لابد أن يسقينا من الكأس التي أسقا بها عبدالله))وعبدالله ملك غرناطه بعد ذلك توجهت قوات المرابطين نحو مملكة المعتمد واستمرت بأخذ الحصن وراء الآخر إلى أن وصلت إلى إشبيليه فثار أهل إشبيليه على المعتمد واستعان مرةً أُخرى بألفونسو فأرسل ألفونسو قوات لمساعدة المعتمد ولكنها هزمت وبعد المعارك المتفرقه بين ابن عباد والمرابطين قام سكان إشبيليه بفتح ثغره في سور إشبيليه لتدخل قوات المرابطين وبذلك وبعد قتال عنيف سلم الملك المعتمد نفسه بعد ان قُتل أربعةٌ من أولاده وأرسل وعائلته الى المغرب الإسلامي لمدينة طنجه ثم نقل إلى مكناسه ثم نقل هو بعض ملوك الطوائف إلى أغمات ويرجع السبب إلى إرسالهم لأغمات أنها بعيده عن الساحل المطل على الأندلس فكانت تلك المدينه هي منفاهم وقضى ابن عباد آخر أيام حياته في حاله مزريه ومن القصص المؤلمه أن زوجة الملك التي كانت تلعب بطين قيمته عشرون ألف دينار ذهبي تقوم في أغمات بحياكة الملابس لزوجة عامل كان يخدم في سلك الشرطه في إشبيليه
فحين يخرج المعتمد للمدينه يقوم الشرطي بتفريق الحشود ليمر المعتمد فسبحان مقلب الأحوال
إنتهى طموح الملك المعتمد بن عباد وقُهر ذلك الملك فأعوذ بالله من قهر الرجال ورثى المعتمد نفسه وأوصى بأن تنقش على قبره
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي**حقاً ظفرت بأشلاء ابن عباد
بالحلم بالصبر بالنعمى اذا اتصلت**بالخصب إن أجدبو بالري للصادي
بالطاعن الضارب الرامي اذا اقتتلوا**بالموت أحمر بالضرغامه العادي
بالدهر في نقم بالبحر في نعم**بالبدر في ضلم بالصدر في النادي
نعم هو الحق وحاباني به قدر**من السماء فوافاني لميعادي
كفاك فارفق بما إستودعت من كرم**رواك كل قطوب البرق رعاد
نقل لنا ابن الخطيب(لما إنفصل الناس من مصلى العيد الذي توفي المعتمد في شهره حفت بقبره ملأ من الناس يتوجعون ويترحمون)وهكذا كانت نهاية المعتمد وملوك الطوائف
في أغمات منفى الملوك
هذه مقاله يسيره وغير كامله من حياة المعتمد التي زخرت بالكثير من الاحداث.
ولكن هدفنا وظالتنا هي العبره
تعليقات
إرسال تعليق
اذا لديك اي استفسار يمكنك التواصل معنا