المقارنة بين الظلم والعدل في خليفتين عاش فيها الظالم طويلا حتى دعا عليه الناس
ولما جاء ولده العادل وهو الخليفة العباسي الظاهر بامر الله لم يكما العام وتوفاه الله وبكاه الناس مودعينه بالدموع والقلوب ، واليكم ما كتبه نقلته لكم نقطة نت من البيان-ونقطة واول السطر
تاريخ الخلافة العباسية من أعجب تواريخ الدنيا وأغربها ولم يتهيأ لها منْ مؤرخي هذا العصر من ينفض عن تاريخها غبار السنين ويظهر لنا كنوزها ويعيد دراستها من جديد على الأسس التاريخية الحديثة كمثل مؤرخي بريطانيا وأميركا اللهم إلا محاولات قليلة جادة ومهمة ولكنها لا تفي بالغرض وكم أتمنى أن يقوم المؤرخون في العراق ومصر والجزيرة العربية وإيران وتركيا ودول المغرب العربي وبعض الدول الإسلامية بالاشتراك في تبني موسوعة عباسية شاملة حتى نظهر للعالم حضارتنا الصحيحة التي أدت إلى قيام حضارات العالم الحديث بعد أن استفادت من علومها وأبحاثها.
والخلافة العباسية شملت أهم مناطق الدنيا في تلك الأزمان واستمرت متواصلة منذ سنة 132هـ وحتى زوالها في سنة 923هـ أي 788 سنة إذا استثنينا ثلاث سنواتٍ ونصف انقرضت فيها الخلافة من بغداد بعد مقتل الخليفة المستعصم بالله سنة 656هـ على يد السفاح هولاكو ثم ظهرت بعد ذلك في مصر.
الظاهر بأمر الله
هو أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله العباسي الخليفة السابع والثلاثون، حياته عجيبة وخلافته أعجب لم يأت قبله مثله إلا عمر بن عبدالعزيز الأموي رحمه الله ولهذا يشبّه به بل عندما يذكره المؤرخون يقولون: "أعاد سنة العُمَرين" لعدله وصلاحه وقيامه بالإصلاحات العظيمة في أشهر معدودة كفعل الخليفة عمر بن عبدالعزيز قبله بقرون.
ولد سنة 571هـ وكان أبيض جميلا مشربا وجهه بحمرة قوي البنية حسن الأخلاق نشأ على مكارم الأمور وكان عكس والده الذي لم يكن محمود السيرة، وبويع بولاية العهد في سنة 585هـ ثم رأى والده أن يستبعده لميله إلى ابنه الصغير"علي" ولمّا توفي المذكور سنة 612هـ أعاد ولاية العهد إلى الظاهر ولكن مُنع من التصرف في شيء.
البيعة يوم عيد الفطر
في آخر ليلةٍ من شهر رمضان من سنة 622هـ توفي الناصر لدين الله وتولى الخلافة من بعده الظاهر بأمر الله فبايعه أهله وخاصته ثم جلس لأخذ البيعة أول يوم عيد الفطر، قال الذهبي في تاريخ الإسلام: بُويع يوم عيد الفطر البيعة العامّة، وجلس بثياب بيض، وعليه الطّرحة وعلى كتفه بردة النّبي صلى الله عليه وسلم في شبّاك القبّة التي بالتاج، فكان الوزير قائماً بين يدي الشّباك على منبر، وأستاذ الدار دونه بمرقاة، وهو الذي يأخذ البيعة على الناس، ولفظ المبايعة: أبايع سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطّاعة على جميع الأنام، أبا نصر محمّداً الظّاهر بأمر الله على كتاب الله، وسنّة نبيّه، واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه.
أهم أعماله
قام هذا الخليفة العادل بأعمال جليلةٍ وسار في الناس بسيرةٍ عُمرية فأزال المظالم التي أوقعها والده على الناس ونشر العدل بينهم وخفّف عليهم حياتهم وتتبع أمور شعبه حتى عمّ الخير في كل مكان من بلاده، قال ابن الأثير:"لمّا ولي الخلافة (الظاهر بأمر الله) أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين، فلو قيل إنه لم يلِ الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً، فإنه أعاد الخراج القديم في جميع العراق، وأن يسقط جميع ما جدّده أبوه، وكان كثيراً لا يحصى".
وكان من أمره أنه لا يُسأل التخفيف في شيء إلا فعل بنفسٍ كريمةٍ، ومن ذلك مثلا طلب أهالي منطقة "بعقوبا" في العراق الذين كانوا يدفعون سبعين ألف دينار فردهم إلى عشرة آلاف كما كانوا في السابق، وهكذا كان في كل أمره، رحمه الله، وللمقالة بقية.
التاريخ الإسلامي عريقٌ وفيه عِبرٌ وعظاتٌ كثيرة ونافعة للناس من حكّامٍ ومحكومين ومن خاصّةٍ وعامّةٍ، وفيه أيضا ما يرشدهم إلى طُرُق النجاح والتوفيق إذا اشتغلوا بتعلّمه وتعليمه وقاموا بالاهتمام به، لأنّه لا فائدة من تاريخٍ لم يُكتب ولا ينفع التاريخ إذا كُتب ولم يُتخذ منارا يهتدى به، فهو ينقل لنا أخبار الماضين وحوادث الدهر والسعيد من اتعظ بغيره كما يُقال، ومن هذه التواريخ المفيدة تاريخ الخليفة "الظاهر بأمر الله" بن الناصر لأمر الله العباسي الذي تولى الحكم بعد 46 سنة من حكم أبيه، المكثر من الظلم والإساءة إلى شعبه حتى تفرقوا في البلاد وتضرعوا إلى الله أن يزيح عنهم الغمّة فأزاحها بخليفةٍ عادل بلغ الغاية سماحاً وكرماً وطيبةً وعطفا على الناس، حتى خلّد التاريخ اسمه في سجلّ الخالدين العادلين.
كان من أمر الخليفة "الظاهر بأمر الله" أنه ولي الخلافة وعمره 52 سنة، مما يعني أنه عاش أغلب حياته وهو ولي عهد أبيه، ولكن من غير تصرّف، إذ عند بلوغه الخامسة عشرة من عُمُره سنة 585هـ عهد إليه بالولاية والده، ثم رأى أن يعزله وأرسل في بلاد الإسلام يأمرهم بالتوقف عن الدعاء له، وإذا عرفنا أعمال "الظاهربأمر الله" التي قام بها إبان حكمه القصير فيمكن أن نخمّن أسباب عزله فقد كان سخي اليد كريم النفس يجتهد في تخفيف أعباء الناس وهمومهم وهذا كان ضد رغبات والده الذي أكثر الظلم وأذاق الناس الويلات، وأكاد أجزم أنه لما رأى "الناصرُ" وليَّ عهده سخيا كريما ورحيما بشعبه أبعده وقرب أبنه الأصغر "علياً"، ولكن الله لم يمهله فتوفي "علي" بعد ذلك مما اضطره أن يعيد الولاية لابنه المعزول "محمد"، والذي سمّي بعد تولي الخلافة بـ"الظاهر بأمر الله" وشرط عليه أن لا يتصرف بأي شيء خِشيةً من إحسانه وكرمه.
أراد الله للبلاد الخاضعة لسلطة "الناصر لأمر الله" في ذلك الزمن الصعب أن ترى الخير، بعد سنواتٍ عجافٍ من القهر والظلم فتولى "الظاهر بأمر الله" سنة 622هـ، وقام بردّ المظالم ونشر العدل مباشرةً من غير تريث عاملا بحكمة: خير البر عاجله، وبدأ بإرجاع الأمور إلى نصابها حتى موازين مخزن الدولة التي كانت تكال بها!، يقول ابن الأثير في كامله: كان المخزن له صنجة الذهب (مما يوزن به) تزيد على صنجة البلد نصف قيراط، يقبضون بها المال، ويعطون الصنجة التي للبلد، ليتعامل بها الناس، فسمع بذلك (الظاهر بأمر الله) فخرج خطه (رسالته) إلى الوزير، وأوله: "ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم"، قد بلغنا أن الأمر كذا وكذا، فتعاد صنجة المخزن إلى الصنجة التي يتعامل بها المسلمون واليهود والنصارى". وإذا كان هذا الخليفة العادل يفكر في أمر وزن مخزن الدولة وأمر بالعدل فيه فما ظنكم في الأمور الكبرى!
وقد روى الذهبي في سِيَره: قال سبط الجوزي: "حُكي عن (الظاهر بأمر الله) أنه دخل إلى الخزائن، فقال له خادم: في أيامك تمتلئ، قال: ما عُملت الخزائن لتملأ، بل لتفرغ وتنفق في سبيل الله، إنّ الجمع شغل التجّار".
وقد صدق "الظاهر بأمر الله" فإنه لم تُعمل الخزائن لتملأ ولكن لتنفق في سبيل الله وتعين الناس على نوائب الزمن، قال ابن الأثير: "قدم صاحب الديوان من واسط (في العراق) بأكثر من مائة ألف ظلما فردها على أهلها، ونفذ إلى الحاكم عشرة آلاف دينار ليوّفيها عن المحبوسين، وكان يقول : أنا قد فتحت الدكان بعد العصر فاتركوني أفعل الخير، فكم بقي لأعيش. وقد أنفق وتصدّق في ليلة النحر بمئة ألف دينار، وكان نعم الخليفة خشوعا وخضوعا لربه، وعدلا في رعيته، وازديادا في وقته من الخير، ورغبة في الإحسان.
هذا وبعد مرور تسعة أشهر ونصف الشهر من حكمه انتقل إلى جوار ربه في سنة 623هـ، بعد أن عمّ الرخاء والأمان وارتاح الناس!! وفي هذا دليل على أنّ البركة ليست في طيلة الأعمار، ولكن في توفيق الأعمال. اللهم وفّق ولاة أمورنا لما تحب وترضى واحفظهم وأحسن إليهم فقد أحسنوا فينا وعدلوا وأكرموا آمين.
تعليقات
إرسال تعليق
اذا لديك اي استفسار يمكنك التواصل معنا