القائمة الرئيسية

الصفحات

الخلاص لماذا يدق هذه الكلمة رؤوس الملحدين


موضوع الخلاص لماذا يعجز الملاحدة ؟؟

موضوع الخلاص لماذا يعجز الملاحدة ؟؟
موضوع الخلاص لماذا يعجز الملاحدة ؟؟


قبل البدأ في هذه الخطبة المعاد صياغته عليك مشاهدة 
هذا الفيديو 




الخلاص
ما هو الخلاص؟ الخلاص الذي لا يُلبيه ولا يفي به سوى الدين، وفي نظرنا الدين الإلهي التوحيدي، وسنرى حظ الإسلام في ذلك الرهان. ما هو الخلاص؟ الخلاص من الوفاة ومن تبعات الوفاة، ذلك هو، نحن كائنات ختامية، مُشكِلة الإنسان أنه كائن ختامي، أنا لا أقلق من ألحاد شاب في مقتبل العمر يقول لي أنا ألحدت في العشرين أو في الخمس وعشرين من عمره، أنا أعلم داخلياً أنه يعبث دون أن يدري، هو يلهو ويتحرَّك وجدانياً وليس فلسفياً، إذن هو يعبث، هو يُلحِد تحت وهم باطل، هو وهم المكوث، رصيده ملآن بالطبعً هو لأنه شاب في مقتبل العمر في العشرين، في مواجهته أدنى شيئ ستون أو سبعون سنة – هو يظن ذلك – إن قُدِّر له الحياة، فليس عنده مُشكلة، هذه اللحظة يعبث ويُلحِد ويكفر ويُجدِّف وما إلى هذا، إلا أن ما إن يتقدَّم به العمر ويُجاوِز الأربعين والخمسين وتبدأ الأمراض ويزحف الشيب وتتساقط الأشياء وتتراجع القوى يبدأ موضوع الخلاص يدق على قمته رغماً عنه كما دق على رؤوس الملاحدة الكبار عبر العصور، ولا أُحِب أن شاباً صغيراً أو شاباً في طليعة دنياي يعترض علىّ، سأقول له اذهب ادرس أولاً، لا تعترض لأن تلك الحقيقة، إذا كنت لا تعرفها فهذه مُشكِلتك، إلا أن تلك هى الحقيقة، وأنت سوف يكون ذلك مصيرك شئت أم أبيت، 


قصة المؤرخ فرانسوا فوريه Francois Furet


هو واحد من كبار المُؤرِّخين الفرنسيين المُعاصِرين، لا أدري لو كان الرجل حياً أو وافته المنية، هو فرنسي مُعاصِر، وهو مُؤرِّخ عظيم مُلحِد، في مؤتمر مُتلفَز في آخره يجب أن يُجيب عن عشرة أسئلة على نحو سريع، كان السؤال الأخير – وهو مُلحِد – ماذا تود من الرب – من الله تبارك وتعالى – أن يقول لك لو التقيته؟ لو اتضح أن هناك رباً وأن هناك دينونة وقيامة كما يقول النصارى للأموات، سيلتقيك الرب وسيُكلِّمك، ماذا تود أن يقول لك كأول جُملة؟ فرانسوا فوريه Francois Furet دون أن يتريث أجاب مُباشَرةً قائلاً لأود أن يقول لي ادخل بشكل سريع، أقرباؤك ينتظرونك، أهلك ينتظرونك، زوجتك التي ماتت، ابنك الذي وافته المنية وهو ضئيل مدعوساً، أمك أو أباك وأصدقاؤك وأحبابك وأساتذتك ينتظرونك، تلك هى مسألة الخلاص، نحن كائنات مقيدة، كائنات فانية، وذلك من رحمة الله،

لماذا نلحد رغم قلة اعمارنا في هذا الكون ؟؟


 بالعكس أنا وجدت من أضخم رحمات الله – والله الهائل – أن الله – تبارك وتعالى – جعلنا كائنات فعلاً مقيدة حتى في أعمالها، السن نسبي، لا نعيش كأعمار النجوم، النجوم تقطن خمسة مليارات سنة، لكننا لسنا ايضاً، ولا نتطلب ذلك، الشكر لله لله مليون مرة أننا لا نعيش مليون حتى، هل تعرفون لماذا؟ نحن نعيش ستين أو سبعين سنة ونُلحِد من الطليعة، أي عندنا تأهب لأجل أن نُلحِد، ونُجدِّف على الرب ونظن أننا شيئاً، وبعد هذا نتراجع مُباشَرةً، فكيف لو عشنا مليون سنة؟ كيف سوف تكون الحياة؟ ذلك إن استقر أن الجذر الحقيقي للأخلاق الإنسانية فعلاً وللأخلاق الكونية هو الدين، هو الإيمان بمعنى ما بالرب لا إله سوى هو، الرهاب من لقائه، الرهاب من دينونته، فإذا عشنا مليون سنة ماذا كُنا سنفعل؟ ستُصبِح الحياة جحيماً لا يُطاق، أليس أيضاً؟ إلا أن الشكر لله، تلك حكمة الله، ذلك مُناسِب للغايةً، سبعون أو ثمانون أو مائة سنة بشكل كبيرً للغايةً مُناسِب لنا ككائنات مُشوَهة في بعض الأحيانً للأسف ثقافياً، الثقافة تُأفسد شكلِّها، التي تطبع الأشخاص بطابع مُجتمَع عام وبطريقة قطيعية مرة ثانية. إذن تلك مُشكلة الخلاص على كل حال، أي الوفاة، نحن ننتهي، للأسف واحد من الفلاسفة القُدامى سعى أن يلتف وأن يُداوِر مُشكِلة الوفاة، إلا أن المسألة أكثر سهولة من ذلك، وهى أصعب الأمر الذي يتخيَّل ذلك الفيلسوف المسكين، يا ليت كانت كما يظن، صرح ماذا نحن هذه اللحظة؟نحن هذه اللحظة أحياء، إذن الوفاة هذه اللحظة غير حاضر فلا نُفكِّر فيه، وبعد أن نموت – حين يجيء الوفاة ويدهمنا الوفاة – نفنى و ننتهي، إذن لا إحساس ولا إدراك، فالموت ايضاًً غير حاضر، لماذا نُفكِّر فيه؟ لن نُفكِّر فيه، فالموت ليس مُشكِلة، إلا أن تلك فلسفة مُغفَلة، وبالطبعً أي واحد من يُمكِن أن يقول بحس ديني إذا استقر أن عقب الوفاة تُوجَد حياة فإن من هنا تبدأ المشكلات، من هنا يبدأ سلسال المشكلات ومُلينَل المشكلات، إلا أن ذلك الفيلسوف الجوهري الطبيعي يتحدَّث بمنطق آخر رغم أن حتى بالمنطق وبالمُقارَبة الطبيعية وبالمُقارَبة العينية الوفاة مُشكِلة وأي مُشكِلة، هل تعرفون لماذا؟ لأن ما يؤرِّقنا ويُتعِبنا ويُضنينا ليس موتنا لاغير بل وفاة أودائنا وأعزائنا وأحبابنا، أليس أيضاً؟ نحن نخاف من الوفاة ، نقلق بصدد الوفاة لأنه يغتال كذلكً أبناءنا وبناتنا وآباءنا وأمهاتنا وأصدقاءنا وأوداءنا وأحبابنا، في بعض الأحيانً بعض الناس الذي يقطن مُستوىً عالياً من الغيرية – الابتعاد عن الأنوية والأنانية – لا يقلق لموته ولفنائه بكمية ما يقلق لموت أحبابه، كأمه – مثلاً – أو أبيه أو أبناءه، وهو مُستعِد أن يلقى حتفه مائة مرة ولا يشاهد أحداً من أبناءه يلقى حتفه في مواجهة عينيه، يُوجَد العديد من الناس على ذلك النحو، تلك طبيعة في عديد من الإنس، إذن تلك المسألة لا يُمكِن مُداورتها، لماذا؟ لأن الوفاة حين يدهم حبيبك أنت تكون موجوداً لأنه لم يدهمك، فإذن فالموت مُشكِلة، ثم أن الوفاة مُشكِلة لسببٍ آخر، ولابد أن نتخلَّص، يجب أن نبحث عن الخلاص – باللغة اليونانية Soteria، ومن هنا معرفة الخلاص Soteriology – بالطبعً، لماذا يجب أن نبحث عن الخلاص؟ لأن الوفاة مضفور مع حياتنا، نحن نعيش لُحمة وسدى، الحياة لُحمة والسدى – مثلاً – الوفاة أو الضد، الوفاة مضفور بالحياة، مجدول بحياتنا، أليس أيضاً؟ نحن في جميع لحظة لأجل أن نحيا يجب أن نموت، لأن اللحظة التي تحياها وتمتلئ بها لا تكون سوى على أعقاب وعلى أكتاف لحظة ولَّت وهربت ولن ترجع، تنتمي إلى ما لا ولن يرجع، أين طفولتنا؟ طفولتي ماتت، هى غير حاضرة، تأمل أن ترجع إلى مراتع الصبا ومرابع ذلكم العهد – سقاها الله – وأن تقطن وأن ترتع وتعدو وتضحك وتصيح وتصرخ وتلعب كما كنت، لكنك لن تفعل، ذلك الشأن اختتم، طفولتك ماتت، شبابك وافته المنية، قوتك ماتت وانتهت، لن ترجع، أنت هذه اللحظة كهل، أنت هذه اللحظة شيخ، أنت هارمٌ هائل مُتهدِّم، لن يرجع لك ذلك، ذلك وفاة، نحن خبرنا الوفاة وعانيناه دائما، أليس ايضا؟ فهذه ضفيرة الحياة وهى مجدولة من حبلين، النور والظلام، الوجود والعدم، الحركة ايضاً والسكون، كل حركة هى وجودٌ وعد، وتفسير ذلك يمتد، على كل حال ذلك هو، إذن لا مفر من خلاص من الوفاة. في الفكر القديم وفي عصور ما قبل ولادة الفلسفة الإنسان تحيَّل على تلك المسألة عن طريق وسيلتين أو عبر وسيلتين وطريقتين طرقهما وتوسل بهما، الكيفية الأولى الإنجاب، هكذا نظَّر الإنسان، صرح الإنجاب شيئ مُمتاز، أنا عبر أبنائي وأحفادي – عبر الذُرية – أخلد فلا أموت، أبنائي يُشبِهونني، أليس أيضاً؟ وجميل للغايةً أن معرفة الوراثة والجينات – Genes– أتى وأعطانا إضافات حديثة أغنينا بها الموضوع، شطر حقيقي من ابني هو شطري، والشطر الآخر من والدته، فأجزاء مُهِمة للغايةً بشكل كبير مني ستعبر في الدهر عبر ذُريتي فلا أموت، أي أنهم رأوا في ذلك عزاءً، تحدثوا الإنجاب عزاء، ومِن هنا وجع الذين لم يرزقهم الله – رزق الله كل مُشتهيٍ كما يُأفاد – بالأبناء، سواء كانوا أولاد أو فتيات فلمُهِم أن الجديد عن الأبناء على العموم، إلا أن ألا ترون معي أن ذلك العزاء مدخول وفيه نوع أيضاًً من التزييف على وعينا؟ الذي يطول في الحقيقة النوع وليس الشخص، النوع الإنساني هو الذي يطول، الشخص الواعي بحدوده وبشخصيته يفنى، أنا أفنى، أنتَ تفنى، هو يفنى، هى تفنى، جميعنا سنفنى، ويبقى النوع، أي النوع الإنساني، ذلك ليس عزاءً حقيقياً، أليس أيضا؟ شبيه بذلك المُقارَبة الرواقية والمُقارَبة البوذية، تلك مسألة العبور، عبور الشخصي إلى وضعية اللاشخصي، وسنتطرَّق إليها بُعيد طفيف إلا أن نأتي هذه اللحظة إلى الأسلوب الثانية، وذلك نفس الشيئ، فهذا انتقال من وضعية شخصية واعية بذاتها ومُحاجزَّدة إلى وضعية لا شخصية غير واعية، هى وضعية كونية عامة، ولهذا ذلك ليس عزاءً لي، ذلك ليس عزاءً لك، ليس عزاءً لأحد، ومع هذا يُوجَد أُناس يأخذون الموضوعات باستخفاف ويظنون أن الدين أيدولوجيا مثل الماركسية وما إلى هذا، إلا أن ذلك خطأ، الدين شأنه أعظم الأمر الذي تتخيَّلون، لهذا الدين اصطحب الإنسان منذ الطليعة وسيُرافِقه حتى الخاتمة، ولا عزاء للملاحدة، ذلك تحدي الملاحدة، هم لا يقدرون على أن يتجاوزوا ذلك، فلا عزاء للملاحدة، الإنسان يطلب الخلاص، كل واحد من فينا في أعماقه ليس حصرا يطلب بل ينطوي على إحساس شبه قطعي بأنه دائم ولن ينتهي، وأنا أقول لك ذلك إحساس غريزي مغروس فيك بقدرة الله تبارك وتعالى، لا واحد من فينا يشعر أن في لحظة مُعينة سينطفئ كل شيئ وسينتهي إلى عدمٍ مُطلَق ومُطبِق، لا ينتج ذلك ذلك بأي حال من الأحوالً، وإنما يشعر أن هناك امتداداً له بأسلوب أو بأخرى، من المُمكِن أن يُحاوِل أن يُخادِع ذاته ويقول ذلك امتداد لي عبر الذُرية وعبر إسمي، حين يُخلَّد إسمي كفيلسوف عظيم أو كموسيقار كبير أو كفنان أو كرقّاص أو كمغنٍ، بغض البصر عن أي شيئ سيُخلَّد إسمي ووفقا لذلك ذلك خلود، إلا أن ذلك غير دقيق، ذلك خلود لشخصية لم تعد حاضرة، بمعنى خلود لما لا يدرك، تلك ذكرى يستهلكها الناس ولا تنتفع بها أنت كشخص مُحاجزَّد، لا يُوجَد عزاء هنا، ليس ذلك العزاء، نحن نُريد الخلاص، أين الخلاص الحقيقي؟ ذلك الدين، من هنا ثقل الدين في المسيرة الإنسانية، من هنا ضرورة الدين يا إخواني، ولهذا – كما قلت لكم – إحساس كهل بتلك الأمور أعمق بكثير من إحساس شاب صغير، انتبهوا إلى تلك الحقيقة، وشعور شيخ على شفا أو على شفير قبره بتلك الأمور أعظم من إحساس كبير السن ابن الأربعين والخمسين، هو ذلك، تلك طبيعة الإنسان، وتلك مأساتنا على كل حال، وهنا قد يقول لي أحدكم – أنا أعرف أحدهم – وفعلاً القرآن حاجزَّثنا عن هؤلاء – عمره ستين سنة وهو مُصاب بالأمراض كلها – مُستضيف في بدنه كل أمراض الدنيا – وسبحان الله يسلك ويتصرَّف ويتكلَّم ويُقهقِه ويضحك ويسكر ويُعرِّبد كمُلحِد حقيقي والله، أنا أقول لك ذلك إلى حد ماً إن لم يكن مُتوفِّراً على فلسفة خاصة أصعب من ذلك ونحن لا نعرفها – نحن حاولنا نقرأ فلسفات الخلاص الإلحادية في أرقى صورها كالإنسية الحديثة أو ما يُسمى بالإنسية اللاماورائية وسأشرحها لكم اليوم وقد رأيناها غير مبررة وصبيانية، ذلك خطاب فارغ – وقد كان فيلسوفاً لم يعرفه الفلاسفة ولم يعرفه عالم الفلسفة فهذا شيئ ثانٍ، وإلا اسمحوا لي أن أقول بتعبير قرآني إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ۩، ذلك المسكين فقد حتى مواصفات ومُختَصات الإنسانية، ذلك المسكين مُشكِلته في إنسانيته، كفَّ أن يكون إنساناً حقيقياً، وهنا قد تقول لي كيف؟ اشرحها حتى فلسفياً، أنا سوف أقوم بتوضيح وشرح معنى تلك الآية – إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ۩ – فلسفياً، هل الحيوانات تتساءل بصدد الوفاة؟ لا تتساءل بأي حال من الأحوالً، ليس لها أي رابطة بالموت، والنبي نوه إلى ذلك، أفاد النبي لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا يَعْلَمُ ابْنُ آدَمَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، فهى لا تعرف، هل الحيوانات تدفن موتاها؟ ولا أُريد أن يجيء واحد من ويقول لي الغراب، مَن صرح لك أن الغراب يدفن موتاه؟ صرح الله فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ ۩، ومَن صرح لك أن غراباً دفن غراباً آخر؟ ذلك هبل المُفسِّرين، أنا أُسميه هكذا، ذلك استهبال، ذلك خطاب فارغ، هل الأغربة تدفن ذاتها؟ هل الأغربة عندها قبور ومقابر؟ لا يُوجَد ذلك الخطاب، أفاد الله فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ ۩، من المحتمل ذلك الغراب دفن شيئاً من رزق، حبة أو دودة أو أي شيئ دفنه، فخطرت وانقدحت الفكرة في عقل القاتل قابيل، صرح إذن فلأوراي أخي، أحفر له وأدفنه، لا تقل لي أن غراباً دفن غراباً، عموماً من المعلوم أن الحيوانات لا تدفن موتاها، ذلك واحد من أضخم الفوارق بين الإنسان والحيوان، لماذا إذن الإنسان يدفن موتاه؟ عنده إيمان بالخلود، يعلم أن هناك رجعة في يوم من الأيام، سنتركه يهنأ هنا ونحفظ له مكانته وإسمه وكل شئ، هناك رجعة ومن هنا دفن الموتى، الإنسان القديم قبل الهومو سَاپْيَانْس Homo sapien – المُنتصِب العاقل – كان يدفن موتاه، ما رأيكم؟ الإنسان يدفن موتاه من عشرات ألوف السنوات. الحيوانات لا تتساءل بصدد الوفاة، الحيوانات لا تُصدِر أحكاماً أخلاقية لها فلسفة ونظريات ومُستنَدات، هى لا تعرف ذلك، بسهولة الحيوانات والطبيعة بتعبير جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau شيئٌ واحد، صرح الحيوانات والطبيعة واحد لا اثنان، وذلك صحيح، إلا أن نحن الإنس – نحن الإنسان أو بني الآنسان – والطبيعة اثنان، بالطبعً اثنان، جلي أننا اثنان، بدليل أننا نتحدَّث عنها ونقول الطبيعة، إذن هى شيئٌ أخر، إذن هناك مسافة، لو كنا والطبيعة شيئاً واحداً لما قامت أخلاق، لما رأى الحكم الأخلاقي النور، لو كانت الطبيعة قانوننا لما فهمنا معنى الأخلاق، والطبيعة هى تشريع البهائم والدواب، ذلك صحيح بالطبعً، الطبيعة هى قانونها على الإطلاقً، لكنها ليست قانوناً لنا، نحن نتعالى على الطبيعة بإسم الدين وبإسم الروح وبإسم المُتسامي المُتعالي المُفارِق وبإسم الأخلاق والقيم، نتعالى ونُنشيء الثقافة، ذلك الاختلاف بين الإنسان والحيوان، فإنسان يقطن – والعياذ بالله – وكأنه بدون قيم وكأنه من دون هم وبلا توتر وجودي ومُشكلة الوفاة عنده لا تُشِّكل أي شيئ هو مشكوك، هو مُندمِج في الطبيعة، فعلاً مُندمِج في الطبيعة، وفعلاً تشاهده يقطن أكثر قربا إلى الطبيعة، أكرمكم الله هو بلغة كتاب الله أكثر قربا إلى الحيوان، صرح تعالى بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ۩، ولذلك لا معنى عنده للحياة حتى والخجل والمُقدَّس، لا يعلم معنى المُقدَّس، لا يعلم معنى اللازم، بالتأكيدً لأنه حيوان، هو والطبيعة شيئٌ واحد، وتلك مسألة أخرى. إذن الأسلوب الثانية هى كيفية ليست طبيعية، وهى الإجراءات الماجدة، أن نقوم بأعمال بطولية وبأعمال استثنائية وبأعمال مُميِّزة، أن يكون لها بصمة، أن يكون لنا طابع، أن نُشكِل إضافة، ماذا يحصل؟ يُخلِّدنا الزمان الماضي، الزمان الماضي تصنيع إنسانية، الحيوانات لا تعرف الزمان الماضي، في نظر بعض كبار فلاسفة الزمان الماضي الزمان الماضي ابتداءً كان بهدف تلك المسألة، أي بهدف مسألة الخلاص، بهدف أن يُطمئن الإنسان، لكنه كما ترون لا يُطمئن كل إنسان، يُطمئن لاغير مَن؟ الذين يعرفون كيف يحيون وكيف يعيشون، أنا لا أعيش كرقم ضمن أرقام، وإنما أعيش فرداً لي اعتباري المخصص، بفضل ما أٌقدِّم للأمة أو للشعب أو للبشرية أو للمُجتمَع أو للناس فيُخلِّدني الزمان الماضي، ووفقا لذلك أمتد وأخلُد، فهذا طريق من سُبل التخلص، هذاسبيل من سبل الخلاص، إلا أن في الحقيقة كما تعلمون من غير لف ودوران الذي يوجد مُجرَد ذكرى – كما قلت لكم – يستهلكها الآخرون ولا تنتفع بها شخصية صاحب ذات واعية تطرَّق إليها الفناء فأذابها وضيَّعها، ذلك ليس الخلاص، ولذلك يعترف عديد من الفلاسفة الملاحدة أن الدين – هم يتحدَّثون بالذات في التوجه التابع للغرب عن الدين القبطي، دين الغرب الأوروبي – تفوق على الفلسفة مع تدهور لياقته كما يقولون، يقولون ما رابطة الدين بالفلسفة؟ الفلسفة قواعد مُحكمَة دقيقية للغايةً للغايةً، تلك نظريات قوية، إلا أن الدين شيئ مُختلِف، إستيعاب كما تعرفونه يستحقرونه ويستخفون به، ومع هذا يقولون رغم ذلك الدين هنا وهناك وفي مختلف موضع تغلَّب على الفلسفة، لماذا؟ قل لي الحظوظ العُظمى لمَن: لموسى وعيسى ومحمد أم لسقراط وأفلاطون وإبكتيتوس Epictetus وماركوس أوريليوس Marcus Aurelius وبرتراند راسل Bertrand Russell ووايتهيد Whitehead؟ بالتأكيدً معلوم أنها لموسى وعيسى ومحمد، هؤلاء قادة البشرية الأضخم والأعظم، أليس أيضاً؟ محمد وحده يستحوذ هذه اللحظة على خُمس البشرية بالتأكيدً، نحن لا نستقِل أنفسنا ولا نستخف بأنفسنا، نحن أمة هائلة في خاتمة المطاف شئنا أم أبينا ولو على مُستوى الرقم، عدداً نحن أمة كبيرة، ولذلك أنا أقول لكم يقظتنا الروحية والفكرية ستُشكِّل – بالطبعً علمونا أن نقول تُشكِل خطراً، مثل خطر المارد الإسلامي، وذلك خطأ – إضافة هائلة عظيمة إلى البشرية، وهذا يوم نستيقظ بإذن الله سبحانه وتعالى، لنُثبِت مرة أخرى أننا خير أمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، صرح الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ۩، والآية بالتأكيدً مُطلَقة، لم تقل يُحييكم في يوم القيامة لاغير، قطعاً هى حياة في الدُنيا قبل أن تكون حياة في يوم القيامة، ذلك الدين وذلك الشرع وذلك المقال الإلهي المُقدَّس المحفوظ هو حياةٌ على مُستوى المعاش والمعاد، الأولى والأخرى، الأولى والعُقبى، الدين ذاته يكون هكذا، صرح الله لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ۩، فحين نستيقظ سنُشِّكل إضافة كبيرة كُبرى ومقدورة بإذن الله تبارك وتعالى، إذن كذلكً مرة ثانية هنا لا عزاء، لماذا تغلَّبت المسيحية على الفلسفة؟ لماذا تغلَّب الدين على الفلسفة؟ هل تعرف ماذا يقول هؤلاء الفلاسفة الملاحدة؟ تحدثوا نتيجة لـ مسألة الخلاص، الأديان التوحيدية – اليهودية وأكثر منها بمراحل النصرانية ثم الإسلام زمنياً – وعدتنا بماذا؟بخلاصٍ شخصي، فعلاً سنقوم من القبور وسنُبعَث من قبورنا وبإذن الله سنلتقي بأحبابنا مكررا، سنلتقي بأودائنا وبأعزائنا، إلا أن بالتأكيدً هناك جنة وهناك نار، إن أردت أن تتمتع بلقياهم مُتعةً غير ممنونة وغير مقطوعة – مُتعة أبدية مُخلَّدة – فعليك أن تعمل صالحاً، وأول عمل الصالح ورأس الشغل الصالح وأساسه الإيمان السليم، تلك هى البُشرى، تلك بشارة عيسى عليه السلام، وذلك الشرط المُحمَّدي، هو نفس الشيئ ايضاً، ذلك شرط القرآن، بشارة عيسى منصوص بها على ماذا؟ على أننا لا نتخلَّص بأعمالنا الخيّرة، وأنا يجب أن أضيف كلمة لاغير، لا نتخلَّص لاغير بأعمالنا الخيّرة، وإنما نتخلَّص بماذا؟ بالإيمان، أي الإيمان السليم بالتأكيدً، لأن ما ضرورة عمل صالح من دون إيمان صحيح؟ سوف نشاهد، تلك مسألة القيم هذه اللحظة، وهى الجزء الآخر من الخلاص، تلك مسألة القيم ومسألة الأخلاق، الأديان التوحيدية وعدت الإنسان بالخلاص الشخصي، أفادت له ستحيا مرة أخرى، صرح الله أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ۩، الله صرح لماذا أنت تستكبر تلك المسألة؟ هل تستكبر أننا سوف نُعيد خلقك مرة أخرى؟ نحن خلقناك ذلك الخلق الأول على غير إنموذج، ابتدعناك وأبدعناك من لا شيئ، وبالتأكيدً من دون شك أن يُرجع ذلك الخلق – في منطق الذهن – أهون بمراحل، أليس أيضا؟ ولذلك المُهِم الفكرة، وذلك معنى الخلق، إذا كان عندي الوقت الوافي لوضَّحت لكم مزيد تفسير، إلا أن سأقول كما يُصرح على الحساب وبسرعة أن الخلق قرآنياً في مُعظم موارده لا يقصد الإيجاد من العدم، ليس ذلك الخلق، لا في اللغة ولا في مُعظم الموارد القرآنية، الخلق في الأساسً في أساس الحال اللغوي هل تعرفون ما هو؟ التصميم، الخلق هو الفكرة، التصميم ووضع الخُطة Blueprint، ذلك هو الخلق، الشاعر يقول: وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْــضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي. ما معنى ذلك الخطاب؟ يقول له وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ، أي أنك تخلق ثم تفري، أنت تُقدِّر وتضع التصميم – Design – ثم في أعقاب هذا تقدر على أن تُطبِّقه، وبعض الناس يضع التصميم دون أن يتمكن التطبيق، فالخلق هو التصميم، انتبهوا إلى ذلك، ولذلك صرح الله خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۩، ذلك هو، التكوين غير الخلق، الخلق هو التصميم Design، ذلك مُهِم بشكل كبيرً، وذلك ينبي عليه مباحث مُفيدة بشكل كبيرً في فلسفة العلم وحتى في العلم وفي الروح العلمية للمُسلِمين لو فقهوا تلك الحقيقة، وأكثرهم عنها غافلون، لا يعرفون أنه ذلك هو الخلق، الخلق إذن هو التصميم، وبالتأكيدً هنا يجيء التحدي أيضاًً للملاحدة، أليس ايضا؟ لهذا حين يُصرح لمُلحِد اخلق فإنه يقول لك سأُحاوِل أن أخلق نملة، إلا أن المسألة ليست في أنك تخلق نملة وتضع خلية وما إلى هذا، وبالطبعً ذلك لم يأتي ذلك، وحتى لو وقع هو لم يفعل شيئاً، ليس ذلك هو الخلق، هل تعرفون ما هو الخلق؟ فكرة النملة بحد نفسها، وفكرة النملة تدخل فيها فكرة تصميم الكائن الحي عموماً، فيها فكرة الجينوم Genome‏، وانظر ماذا يُوجَد في الجينوم Genome وإلى آخره، تلك هى الفكرة، لهذا إذا تصوَّرنا حواراً كما إجراء بعض الغربيين بين الإله – بين الله تبارك وتعالى – وبين مُلحِد هائل عنيد شرِس فإن الله سيقول اخلق كما خلقت، ووفقا لذلك سيأتي بالطين والماء وما إلى هذا، إلا أن الله سيقول له ليس ذلك الخلق، الخلق هو التصميم، ائت بفكرة حديثة وأخرج منها عالماً جديداً أو خلقاً جديداً، ولهذا كل أفكارنا ليس فيها أي حديث، اليوم أعظم الاختراعات هى تقليد للطبيعة، هى تقليد للموجود، أليس أيضا؟ تشييد وبسط ومد للموجود، الله سيقول له أنا أُريد منك أن تأتي بفكرة غير مُستمَدة من أي فكرة حاضرة الأمر الذي فعلت أنا، ووفقا لذلك سيعجز، ولهذا سيقول أنت لا يمكنها أن تخلق إذن، أنا الذي أخلق، علماً بأن تلك من أضخم الضربات الموجِعة للإلحاد، أساس التشريع وأساس الفكرة المُسيِرة للشيئ ولأي بنية من أين أتى؟ وكيف أتى؟ هو ذلك، تلك فكرة الخلق. إذن الأديان التوحيدية يا أحبابي – إخواني وأخواتي – وعدت الإنسان بالخلاص الشخصي، خلاص الشخصية المُحاجزَّدة الواعية، الواعية بذاتها وهكذا بغيرها، توجد نُقطة أخرى تنبني على مسألة الخلاص نُرجِئها إلى الخُطبة الثانية. أقول قولي ذلك وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه. الخُطبة الثانية الشكر لله، الشكر لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ حاد، وأشهد أن لا إله سوى الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله سبحانه وتعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما في أعقاب، إخواني وأخواتي: ولكون الموضوع الثاني – موضوع النُقطة الثانية – مُعقَّداً وطويلاً سأُحاوِل أن أُلملِمه في شكل جُمل سريعة، إنه موضوع الأساس الذي تتأسَّس عليه والمُسنَد الذي تستند عليه وإليه الأخلاق، ملحوظ للغايةً أننا إذا تحدَّثنا عن الخلاص بالمعنى الأول فنحن ايضاً نتطرَّق هذه اللحظة إلى الخلاص بالمعنى الثاني، خلاص الإنسان الشخص ايضاًً المُحاجزَّد المُنتهي نسبياً ليس في ظرف الدهر لاغير بل في ظرف المؤتمر ايضاًً، خلاص ذلك الإنسان الفقير الهزيل الجاهل المسكين الطيب المُسالِم من بغي الآخرين ومن تسخير الأخرين ومن استعباد الآخرين ومن قهر الأخرين ومن تخطى الآخرين حتى على حياته في بعض الأحيانً، كيف يتم ذلك الخلاص؟ أفضى بنا الخطاب إذن إلى مسألة الأخلاق، تلك – كما قلنا – مسألة مُفارِقة للطبيعة، تلك غير الطبيعة، هى مُختلِفة على الإطلاقً، الأخلاق ما يجعلني إنساناً، الأخلاق ما يجعلنا بني آدمين، تلك هى الأخلاق والحكم الأخلاقي، كيف يتم ذلك الخلاص؟ انتبهوا إلى ذلك، بالتأكيدً سيُصرح لكم – وقد قيل وأُلِّفت ألوف الصفحات ومئات الكتب بل ألوف الكتب في ذلك الموضوع – يُمكِن تشييد الأخلاق على خلفية جوهري بحت، على خلفية مُحايث – يقولون Eminence – وليس مُتعالياً، لا نُريد المُتعالي، ما علاقتنا بماوراء الطبيعة والله ويوم القيامة؟ نحن كبشر يُمكِن أن نؤسِّس أخلاقاً تامة مُمتازة، وبدليل أن هناك ملاحدة على أخلاق عالية للغايةً من الصدق والتهذيب ومحبة الأخرين والتبرع للضعفاء وإلى آخره، يقول لك ذلك حاضر، إلا أن ذلك تبسيط مُخِل، ذلك تبسيط صبياني حقيقةً للمسألة، المسألة أعقد من ذلك بكثير، حتى لا نخوض فيها لأن الوقت غير كافٍ نقول أن الفيلسوف الألماني الحي والمُعاصِر هذه اللحظة هابرماس Habermas لخَّص الشأن بجملة واحدة، أفاد المسيحية – يُريد الدين في الغرب هنا، أي في التوجه من الغرب – هى المُؤسِّس الأضخم للروح وللحرية وللضمير وللديمقراطية ولحقوق الإنسان، كل باستثناء ذلك مُجرَد ثرثرة – Bla Bla Bla – ما في أعقاب الحداثة، أفاد لهم تلك ثرثرة وكلام فارغ حتى لا يضحكون عليكم، ذلك خطاب فارغ، والرجل يُثبِت ذلك في مئات الصفحات الفلسفية العميقة، إلى حد ماً من المُستحيل أن تؤسِّس لما أوضح هابرماس Habermas وغير ما أوضح ايضاًً فعلاً بعيداً عن مفهوم الإيمان بالله تبارك وتعالى، مفهوم الإيمان بالآخرة، مفهوم الإيمان بالغيب، بالطبعً ذلك الخطاب فيما يتعلق لنا كمُؤمِنين مقبول ملحوظ وجميل، لكنه فيما يتعلق للملاحدة والمُشكِّكين والما في أعقاب حداثيين خطاب سخيف بشكل كبيرً للغايةً للغايةً وصبياني وغير علمي وغير عميق، يرفضونه على الإطلاقً، هكذا هم يظنون ويُقدِّمون لنا البديل، لنا نقول كيف أسَّس القدماء الأخلاق وعلى ماذا وبماذا برَّروها وفي العصر الجديد كيف تأسَّست مرة ثانية في المبدأ الإنساني أو في المذهب الإنساني Humanism، إلا أن سوف نشاهد هذه اللحظة آخر نُسخة إلحادية من تلك الإنسية الحديثة أو الإنسية المُعاصِرة أو الإنسية اللاماورائية، هى لا تستند إلى الإيمان مُطلقاً، تحدثت نحن كإنسان مكتفون بأنفسنا ويُمكِن أن نؤسِّس أخلاقاً مُمتازة للضمير وللروح ولمشروع ناجح لحقوق وكرامة البشر على صعيد كوني من غير أن نفتقر إلى الله، كيف؟ انظر إلى الحُجة وقل لي – بالله عليك – واحكم بنفسك عليها، تلك حُجة فيلسوف هائل يحمل تلك الراية هذه اللحظة إسمه لوك فيري Luc Ferry، ماذا يقول فيري Ferry؟ يقول اثنان زائد اثنان يساويان كم؟ أربعة، هل يُمكِن أن تكون تلك المسألة مسألة ذوق؟ هل تعتمد على ذوقي فتكون أربعة، ووفق ذوق ذلك تكون خمسة، ووفق ذوق ثالث أو رابع تكون سبعة أو ثمانية؟ لا يُمكِن بأي حال من الأحوالً، هل تلك مسألة خيار؟ ليست ايضا بأي حال من الأحوالً، لا يُوجَد أي خيار، نحن لا نخترع الرياضيات، نحن نكتشفها ونصفها لاغير، هكذا يقول لوك فيري Luc Ferry، أفاد وبالمعنى نفسه نحن لا نخترع حُسن الجميل كالرائحة الجميلة والزهرة الجميلة والنغمة الجميلة، نحن نقع في مأخوذية ونُؤخَذ بها رغماً عنا، كما نُضطَر أن نُذعِن بأن اثنين زائد اثنين يساويان أربعة، وذلك شيئ جميل، مُباشَرةً نقول جميل، ولذلك يقول هناك ذلك الـFalling، نحن نقع في الحب، شيئ جميل وما إلى هذا يأخذك على الفورً فتقع فيه، ليس لديها خياراً، تلك ليست مسألة تتعلَّق بالخيار، يُريد لوك فيري Luc Ferry أن يُفهِمنا أنه مسألة المسائل الجمالية والمسائل الأخلاقية كمُناهَضة العرقية ومُسانَدة ومُؤازرة المُضطهَدين والمقموعين مسائل من جنس اثنين زائد اثنين يساويان أربعة، وأنا – والله – لم أر حُجة أضعف من تلك كليا، أليس أيضا؟ وكل الدراسات الأنثروبولوجية بل حتى دراسات المُقارَنة في مجتمع واحد أو في حقبة واحدة تُؤكِّد هلهلة أو مُهلهَلية تلك الحُجة، تلك الحُجة حُجة مُهلهَلة على الإطلاقً وعلى الإطلاق، لأن فعلاً الأذواق في مسائل الجماليات لها مروحة واسعة، أي طيف أو مطياف واسع، فهى لها مروحة واسعة وعلى ذلك تتراوح بين أقصى الأيمن وأقصى الأيسر، وحتى ما دون الصفر بالسالب، ذلك حاضر بالتأكيدً، ثم أن هناك ما هو أصعب من ذلك، حتى لو قلنا أن تلك المروحة ليست بهذه السعة والعراضة فإن هناك مسألة أصعب من ذلك بكثير، لم يُحاجزِّثنا هؤلاء الإنسيون اللادينيون واللاماورائيون عن أصل تلك الأشياء المُودَعة في الإنسان والمُحايثة له، ذلك هو السؤال هذه اللحظة، أفادوا تلك مُحايثة – Eminence – لنا، أنا أشتمل على ذلك، أشتمل على تحسس موجب للجمال، أشتمل على تعاطف غير سلبي مع الحقوق ومع الحريات ومع الإنصاف ومع الرحمة، أشتمل على ذلك، إلا أن بالتأكيدً نيتشه Nietzsche وهو واحد من كبار الما عقب حداثيين لم يكن مُسبِّلاً على تلك المعاني، أليس ايضاً؟ نيتشه Nietzsche كان يُحبِّذ سحق الضعفاء دون أن يطرف له جفن، يقول صديقه لانسكي Lansky كنت عنده فأتاه خبر الإعصار الذي ضرب فيجي Fiji ، فقام يرقص من الفرح، صرح ذلك إعصار مُمتاز فليذهبوا إلى ستين داهية، لماذا؟ما هى مُشكلتك مع أهل فيجي Fiji؟ ليس عنده مُشكِلة، لكنه يعلم أن ذلك الإعصار حين يجيء سوف يجهز على كل مَن لا يمكنه المقاومة، فليقض عليه إذن، أي عقار هزيل يذهب في ستين داهية، ذلك عقار هزيل إلا أن الناس الذين فيه معدمين، صرح نعم هم معدمين، إلا أن لماذا هم مفلسين؟ لأنهم ضعاف، إذن هم يستحقون، فليذهبوا في ستين داهية، لو كانوا أقوياء لاشتغلوا أكثر ولأتوا بمال أكثر ولسكنوا في منازل قوية، وذلك أمرٌ عجيب، كان يطيب لنيتشه Nietzsche الإقامة بمدينة نيس Nice – يُسمونها بالألمانية Nizza – الفرنسية، ضربها هزة أرضية لعله بلغ إلى أربعة ريختر ولا خمسة ريختر، فمات عدد طفيف وتهدَّمت بعض المنازل فقال للأسف كان ضعيفاً، كان ينبغي أن يكون أشد، فسمع بالبركان الذي ضرب جاوة Jawa وقتل مائتي ألف وصرح مُمتاز، ذلك هو نيتشه Nietzsche، ذلك الإنسان وقح للغايةً وكريه، هل تأمل أن تتقابل ذلك الفرد، اسأل نفسك بيسر إذا كان حياً هل تأمل أن يكون صديقاً لك؟ هل تتمني أن تأخذ بنته أو تُعطيه ابنتك؟ مُستحيل، ذلك كارثة، تلك الفلسفة الوقحة فعلاً، تلك هى الوقاحة واللإنسانية، وقالوا تلك فلسفة، هتلر Hitler تلميذ نيتشه Nietzsche ما شاء الله، ذلك هو، من ثمارهم تعرفونهم كما صرح المسيح عليه السلام، وثماره هتلر Hitler وموسوليني Mussolini، ذلك شيئ مُريع ومُخيف، علماً بأن ذلك الوعد لا يزال موجوداً، الوعد النيتشوي والجانب الممسوخ من فلسفة ما في أعقاب الحداثة ما زال موجوداً ويعمل، انتبهوا إلى ذلك، ولذلك أنا أقول لكم يُوجَد رهان ونحن كمُتدينين وبالذات على نحو أخص كمُسلِمين علينا أن نُحاوِل فاز الرهان لصالح البشرية ولصالحنا ولصالح ديننا، إلا أن كيف؟ تلك مسألة أخرى تتطلب إلى خُطب أخرى، على كل حال أفاد ذلك ممتاز، كان ينبغي أن تُضرَب نيس Nice بمثل ذلك الروع، يتأسف على نيس Nice، صرح لماذا نيس Nice لا تزال لائحة إلى هذه اللحظة؟ تلك ضياع، كان ينبغي أن يُصيبها مثل ما أصاب جاوة Jawa، شيئ كالبركان – مثلاً – يحرقها حرقاً، لماذا؟ ما ذلك الحقد على الآخرين الذي يتقنَّع بقناع الفلسفة ويتقنَّع بقناع الأفكار؟ على كل حال نعود إلى موضوعنا، نيتشه Nietzsche وهو فيلسوف قريب للغايةً – لقي حتفه في سنة ألف وتسعمائة فهو قريب بشكل كبيرً للغايةً لنا – غير مُقتنِع بتلك الحُجة، أي بحُجة لوك فيري Luc Ferry، بمعنى أننا نخضع للتعاطف مع الحقوق وخصوصا مع حقوق وكرامة البشر ونتعاطف مع الضعفاء والمساكين كما نخضع لاثنين زائد اثنين يساويان أربعة، ذلك غير دقيق بالمرة يا إخواني، يُوجَد العديد من الناس لا يُؤمِنون بذلك، عديد من الناس أصلاً سلوكهم يُؤكِّد أنهم لا يُؤمِنون بذلك، أنا أقول لكم عديدٌ من الناس وخصوصا في وجود تصوّرات علمانية وعينية مُكتفية بذاتها تتنكر لله وللغيب، أنا أقول لكم لا يضبطهم ولا يمنعهم سوى التشريع، قوة التشريع وردع التشريع، الشدة الردعية للقانون، لا يُوجَد وازع حقيقي عند عديد من الناس ولا أقول كل الناس، إلا أن عديد من الناس ينطبق عليهم ذلك، وأنا أقول لك حتى بعض الناس الذين يُشكِّلون استثناء حين تبحث وتحفر أركيولوجياً تجد في الخاتمة أن في الجذر يكمن الدين مثلما لاحظ هابرماس Habermas وغيره، هناك دين، علماً بأن نيتشه Nietzsche هنا كان مُوفَّقاً حين لاحظ أن كل الأخلاق المُتعاطِفة وأخلاق المحبة – يُسميها الأخلاق الكونية الإنسانية – سواء كانت يمنية أم يسارية ومحافظة أم مُتقدِمة ودينية أم لا دينية في بنيتها هى أخلاق دينية، وذلك صحيح، هنا نيتشه Nietzsche كان على صواب، لماذا هى أخلاق دينية؟ أفاد لأنها كلها تُؤمِن بالمُفارِق، يُوجَد مثال مُفارِق للإنسان ومُفارِق للحياة ومُفارِق للطبيعة، هو فوق الطبيعة ووراء الطبيعة وبعد الطبيعة، وهو الذي نستمد منه الشدة الأخلاقية، صرح وذلك بالتحديد هو جوهر الدين، وصح ذلك الدين، أفاد ذلك جوهر الدين، فكل تلك الأخلاق دينية ونحن لا نُريدها، نُريد أخلاقاً من نوع حديث، أخلاق سوبر مان Superman، أخلاق الشدة والقسوة والبقاء للأقوة والأصلح، أخلاق داروينية، وذلك شيئ مُريع مُرعِب ومُخيف، أليس أيضا؟ ذلك شيئ مُريع، وليس ذنب الأعمى أنه وُلِدَ أعمى، وليس ذنب الهزيل الكسيح أنه وٌلِدَ ضعيفاً وكسيحاً، أليس أيضاً؟ وهناك أقدار ليست أقداراً ماورائية ولا أقداراً بيولوجية، هو لا يُؤمِن بالماوراء ويتحدَّث عن القدر البيولوجي، إلا أن صدِّقوني هناك أقدار اجتماعية حتى، أليس أيضا؟ لا يُمكِن أن تقول لي نحن هذه اللحظة نُتيح الحريات للكل، كل واحد من يتصرَّف ويعمل كما يحلو له، أنا أقول لك في غيبة نسق أخلاقي قوي يقضي على الجميع ويُفارِق فعلاً اهتمامات ذلك وذاك ويتحيز لذلك أو ذاك هل تعرف ماذا ستُتيح للناس؟ ستُتيح لهم حرية على الإطلاقً من باب ومن قبيل حرية الذئب والحمل، أنت تقول لي الذئب حر والنعجة حرة، اتركهم أحراراً يا سيدي، ابن آوي حر والدجاجة حرة، والنتيجة معروفة، ما هى؟ باستمرارً الخاسر هى الدجاجة والنعجة، أليس أيضاً؟ علماً بأن ذلك ما ينتج ذلك هذه اللحظة بإسم ما عقب الحداثة وبإسم النيتشوية، وتلك يُسمونها نيتشوية، تلك نيتشوية مُعدَّلة وهى كذب على نيتشه Nietzsche، فهذه كارثة بالتأكيدً، ومن هنا يجيء الدين. نعود مرة ثانية ونقول في خاتمة المطاف التشريع في لحظة مُعيَّنة الإنسان يتجاوزه، في لحظة أصعب الإنسان يكفر به، في لحظة حنق حاد أو لحظة ثأر ورغبة في الثأر الإنسان يكفر بالقانون ويخرقه، حتى ذلك المُلحِد الإنسي المُعاصِر يكفر بالقانون في تلك اللحظة، بماذا يُهدِّده التشريع؟ بالإعدام، وهو يقول أهلاً وسهلاً بالإعدام، لا احتياج لي بالحياة بعدما عانيت وتمرمرت بإنهاء حياة ابني الأوحد وزوجتي رفيقة عمري، لا أريد تلك الحياة، سأنتقم وليقتلني التشريع، أليس ايضاً؟ ببساطة تتم تلك الوثبة، 
                                                   يمكنكم زيارة موقع الدكتور عدنان ابراهيم الرسمي 
                                                                             من هنا   
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع